اصحو مبكرا ، اتوجه الى المزرعة القزمية طرف الواحة ، اطلق سراح الاغنام من الزريبة ، احمل في يدي عصا واهش عليها ، عشب العقول وبواقي الحصيد هي الكلا والمرعى ، وما ان الحظ انهماك الشياه وانسجامها بالرعى في هدوء ، انحو جانبا عند جدع نخلة وارفة الظلال ، اتكي وارقب حراك القطيع الصغير ،الذي لا يزيد عن عشرون شاة ، تسرح الحملان والجديان . اداعب عصاتي . اصغي لشقشقة الطيور ، اتأمل الفراغ الابدي والغموض خلف الافق الصحراوي المتجهم ، وانشد ترنيمة مصحوبة بايقاع طرق العصا وانفاس جنوبية .. يسبح الدهن في الفضاء متأملا نور الشمس ووهجها الحارق وقد بدأ يشتد ، احدق بالافق كالغارق في حلم ، اغرز عصاي في التربة والتقف حجر ارمي به تلك الشاة المخادعة قبل ان تجفل بعيدا . اعمل بسأم .. وما عسى طفل في عمر التاسعة لا شيء يؤنس وحدته سوى شياه بائسة وبراري مقفرة ان يفعل .
يقال في الاثر ” الجلب اذا تبيه يجفل اطلق فيه جدي ” وتلك اولى معاطب الانسجام بالقطيع ، ويقال في السياسة ايضا يصدق المثل ، فالحاكم الذي لا يهنأ له بال ، يظل يركض هنا وهناك ، بين حروب وقفزات مهلكة للحرث والنسل ، مرهقة لشعبه ومستقبله ، وذاك حال الجديان الصغيرة بالذات ، لا تهدأ ابدا ، وتظل تركض وتعدو محدثة هرجا وفزع يوهم الشياه بالخطر ، فتجفل على غير غرة كل في اتجاه مغاير .. لذا تعد مهمة رعى الاغنام في غياب الكلب ” السلوقي ” مهمة عسيرة . ففي وجوده يكفي ان تراقب عن بعد ، او ان توميء له برمي حجر بالاتجاه ، ستجده قد هرع على الفور لردع القطيع بالكامل مهما كثر عدده ، بل وانك تلحظ مدى استمتاعه باداء المهمة .
اسرح ببصري بعيدا .. في الصيف اخشى ضربة شمس مع اشتداد الحرارة اللافحة والمناخ المتطرف ، وفي الشتاء لسعة برد الصحراء القارص . ولملء الفراغ ووقت انتظار انبعاث الشبع في الشياه ، اهم بصيد الطيور بالمنداف ، وفي احيان الجراد والجندب وكل ما تجود به الحياة البرية .
الصحراء كالبحر .. كل ما تجود به من كائنات غداء .. الجراد البري ما يميزه انه سريع الشواء .. بمجرد ان تضعه بالنار تحترق الاجنحة ويحمر لونه ويجف ، وفي اكله قرمشة وطعم لذيذ . كان ذلك في الزمن البعيد ..انس البراري النقفرة .. شيء من تدويناتي عن حياة الطفولة بواجة الزيغن .. على مدونتي http://aihat.libyablog.org/